تهمة معاداة السامية- سلاح لإسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية.

المؤلف: روبين أندرسون11.18.2025
تهمة معاداة السامية- سلاح لإسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية.

إن ادعاء معاداة السامية كذريعة هشة تمارس للرقابة، وتهدف إلى قمع الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية المتصاعدة في الولايات المتحدة.

لقد عمدت جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة إلى استخدام اتهامات معاداة السامية لسنوات طوال، وذلك لإخراس أي فرد يجرؤ على انتقاد دولة إسرائيل. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تم استغلال هذا المصطلح لتشويه صورة المتظاهرين المساندين للقضية الفلسطينية، وأولئك الذين يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار في غزة المنكوبة، وخاصة ضد المنظمات الطلابية والناشطين داخل الحرم الجامعي في أنحاء البلاد.

على سبيل المثال، قامت مجموعة "أكيوراسي إن ميديا" في جامعة كولومبيا بتمويل ما يسمى بـ "شاحنات التشهير"، التي كانت تجوب الحرم الجامعي، عارضة شاشات تحمل أسماء ووجوه الطلاب الداعمين لفلسطين تحت لافتة: "معاداة السامية".

لقد بلغ استخدام هذا الاتهام مدى واسع الانتشار، لدرجة أنه عند تغطية قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، كان العنوان الأبرز للصحفية الأسترالية كيتلين جونستون، هو: "إسرائيل تتهم محكمة العدل الدولية بمعاداة السامية".

وفي سياق متصل، أجرت مجلة نيويورك العريقة مقابلات مع ناشطي منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، واكتشفت أن المنظمة، على مدى ثلاثة عقود، دأبت على رفض وصم أي شخص بمعاداة السامية لمجرد معارضته للصهيونية أو انتقاده لإسرائيل.

لكن حركة المطالبة بوقف إطلاق النار، كشفت النقاب عن أن المطالبات بإنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة لا تمت بصلة إلى كراهية الشعب اليهودي.

وفي الوقت الذي كانت القنابل الإسرائيلية تنهال على غزة، كان الصحفيون الفلسطينيون العين الشاهدة على المعاناة، ناقلين تلك الفظائع المروعة التي وثقوها أمام مرأى العالم أجمع. وقد أدت مشاهدة الإبادة الجماعية لحظة بلحظة، مع الصور التي عكست حجم الدمار المفجع، إلى اندلاع احتجاجات عارمة في جميع أنحاء العالم، تضامنًا مع شعب غزة.

وفي الولايات المتحدة، كانت العديد من المظاهرات الأكثر تأثيرًا هي تلك التي دعت إلى "المقاطعة" و"قطع العلاقات" إلى أن تتم الاستجابة إلى الدعوة لوقف إطلاق النار. وقام الشباب، وعلى وجه الخصوص المتظاهرين الذين حشدتهم منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وحركة "إف نوت ناو"، بإغلاق محاور النقل الحيوية في فعاليات أدت إلى تعطيل جسر مانهاتن، وإغلاق محطة غراند سنترال في مدينة نيويورك، وتطويق تمثال الحرية.

وكانت المشاهد المؤثرة للمتظاهرين المعتقلين وهم يرتدون قمصانًا سوداء تحمل عبارات: "ليس باسمنا" و"اليهود يقولون أوقفوا إطلاق النار الآن"، جلية للغاية لدرجة أنها تصدرت التغطية الإعلامية الرئيسية.

تحدثت الناشطة اليهودية الشابة إيلينا ستاين، مديرة الإستراتيجية التنظيمية للصوت اليهودي من أجل السلام، في مظاهرة حاشدة خارج مبنى الأمم المتحدة، وقالت للحشد المتجمع: إنها تقف هنا "باسم مئات الآلاف من اليهود الأميركيين الذين يعلنون: هذا ليس باسمنا، أوقفوا إطلاق النار الآن". وأضافت، موجهة نداءها: "مع دعم كل أسلافي اليهود لي، أولئك الذين نجوا وأولئك الذين لم ينجوا".

لقد ساهمت ستاين في تنظيم بعض أكبر المظاهرات التي نظمها الشعب اليهودي، تضامنًا مع الحرية الفلسطينية. وفي وقت لاحق، فندت ستاين مزاعم الصحافة السائدة بأنّ الصراع بين إسرائيل وحماس "معقد"، قائلة: "الأمر ليس معقدًا على الإطلاق، فقط تمسك بقيمك".

لم يسلم المنظمون اليهود الشباب من تهمة معاداة السامية. فقد ادعت جماعة الضغط الصهيونية الإسرائيلية النافذة، المعروفة باسم رابطة مكافحة التشهير، أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شهدت معاداة السامية ارتفاعًا بنسبة 400 بالمائة تقريبًا في الولايات المتحدة.

وانتشرت العناوين الرئيسية التي تردد هذا الرقم في مختلف وسائل الإعلام الرسمية، من رويترز إلى شبكة سي بي إس نيوز.

وعلى الرغم من أن رابطة مكافحة التشهير نفت أنها تصنف المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين على أنها معادية للسامية، إلا أن موقع إنترسبت كشف أن المنظمة تفعل ذلك على وجه التحديد.

وفي مقال بعنوان: "رابطة مكافحة التشهير تصف مسيرات اليهود بهجمات معادية للسامية"، ذكر الموقع أن رابطة مكافحة التشهير وصفت الاحتجاجات العديدة التي يقودها اليهود بأنها "تجمعات كراهية".

وفي سياق متصل، أجرت مجلة نيويورك العريقة مقابلات مع ناشطي منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، واكتشفت أن المنظمة، على مدى ثلاثة عقود، دأبت على رفض وصم أي شخص بمعاداة السامية لمجرد معارضته للصهيونية أو انتقاده لإسرائيل.

وقد ناضلت منظمة الصوت اليهودي JVP بنشاط لإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. ومع تفاقم أحداث الإبادة الجماعية، تبنت قيادتها الشابة الجديدة دورًا محوريًا في النقاش، مؤكدة أن تدمير غزة ليس السبيل للحفاظ على سلامة اليهود.

وعلى النقيض من الأجيال السابقة، لم يعد العديد من الشباب اليهود يربطون هويتهم بدولة إسرائيل. وقد خاض البعض رحلة طويلة لمراجعة الصورة الوردية التي نشأوا عليها حول نقاء وديمقراطية وأمان الدولة الإسرائيلية، ليكتشفوا الحقيقة المرة على الجانب الآخر من الجدار، حيث يتعرض الفلسطينيون للقتل والاعتداء والرعب، ويجبرون على العيش في ظل انعدام الأمن والحرية. وفي مقطع فيديو حديث انتشر على نطاق واسع عبر الإنترنت، تحدث 50 جنديًا مختلفًا من جيش الدفاع الإسرائيلي علنًا عن الترويع المتعمد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

أحد الأفلام الوثائقية الهامة التي لاقت انتشارًا واسعًا مؤخرًا يحمل اسم "إسرائيلزم"، ويروي قصة سيمون زيمرمان "الإسرائيلية"، التي سافرت إلى إسرائيل، متطلعة إلى العثور على أرض الميعاد، لتصطدم بالوحشية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو ما أحدث تحولًا جذريًا في قناعاتها.

عادت سيمون إلى الولايات المتحدة وشاركت في تأسيس مجموعة #إف نوت ناو، التي مثلت قوة دافعة أخرى للحركة المناهضة للإبادة الجماعية التي تناضل من أجل حرية الفلسطينيين.

وقد انتشر الفيلم الوثائقي المؤثر كانتشار النار في الهشيم، وأجرت وسائل الإعلام المستقلة لقاءات مع المنتجين والمخرجين والأبطال. ولكن عندما خططت تامي غولد، إحدى مخرجات الفيلم، لعرض فيلم عن إسرائيل في كلية هانتر في مدينة نيويورك، حيث تقوم بتدريس صناعة الأفلام، قامت الجامعة بإلغاء العرض الذي كان قد حجز بالكامل.

ويجدر بالذكر أنه حتى ذلك الحين، لم تخضع غولد لأي شكل من أشكال الرقابة طوال مسيرتها المهنية الممتدة لثلاثين عامًا داخل كلية هانتر، والتي أنتجت خلالها أفلامًا مثيرة للجدل تتناول مواضيع حساسة.

وقد اتخذ مديرو الكليات إجراءات مماثلة ضد مجموعات الطلاب الفلسطينيين في الجامعات في أنحاء البلاد. وفي الوقت الذي تكتسب فيه معارضة الإبادة الجماعية أهمية تاريخية عالمية، فإن الجهود المؤسسية الرامية إلى قمعها ليست مجرد عمل غير أخلاقي، بل هي انتهاك صارخ للحريات المدنية للطلاب وحرية التعبير. وكما عبر أحد طلاب هانتر عن ذلك: إن "الرقابة" تتعارض مع الغاية الأساسية من وجودنا هنا في المقام الأول".

ووفقًا لديلان سابا، المحامي في منظمة فلسطين القانونية، فقد وثقوا تصاعدًا ملحوظًا في القمع داخل الحرم الجامعي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بما يزيد على ضعف ما تم تسجيله في عام 2022، مع وجود أكثر من 700 طلب للحصول على الدعم القانونيّ.

وأشارت الكاتبة إلى أن شاحنات أخرى مزودة بشاشات تابعة لمجموعة "أكيوراسي إن ميديا" جابت العديد من الجامعات، عارضة أسماء أعضاء هيئة التدريس والطلاب. وفي كلية هانتر، كانت إحدى الشاحنات تحمل عبارة: "قادة معاداة السامية في جامعة مدينة نيويورك"، وتحوي قائمة متجددة بأسماء موظفي جامعة مدينة نيويورك الذين يُفترض أنهم "يدعمون حماس".

يواجه الطلاب الذين يُتهمون بمعاداة السامية عواقب وخيمة، لا سيما الطلاب الفلسطينيين. ففي جامعة هارفارد، أدى الكشف عن هوية طالبة أميركية من أصل فلسطيني على إحدى الشاحنات إلى قيام صاحب عمل كان قد عرض عليها وظيفة في السابق بسحب العرض.

وفي بيان رسمي، ألمحت الشركة إلى أن الطالبة تدعم حماس، وخلصت إلى أن"تلك القيم لا تتفق مع قيم شركتهم". وقد كان التواصل النشط مع أصحاب العمل المستقبليين للناشطين الطلابيين المؤيدين للفلسطينيين، وحرمانهم من فرص العمل المستقبلية، بمثابة استراتيجية رئيسية تتبعها "كناري ميشن"، وهي مجموعة ضغط إسرائيلية تأسست عام 2014.

يدرك العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والحركة الأوسع المؤيدة للفلسطينيين أن محاولات إسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل من خلال اتهام دعاة وقف إطلاق النار بمعاداة السامية ستؤدي فعليًا إلى تأجيج نار معاداة السامية، وهي مبنية على افتراض خاطئ بأن جميع اليهود يؤيدون القصف المستمر، والحصار، والاعتداء، وتجويع شعب غزة في إطار إبادة جماعية ندد بها المجتمع الدولي على نطاق واسع، الأمر الذي من شأنه أن يجعل جميع اليهود عرضة للاستياء والرفض.

وقد أثارت تصرفات رئيس كلية هانتر ردود فعل واسعة من قبل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. فقد تضافرت جهود مجموعات وأقسام الحرم الجامعي الأخرى لإدانة هذا الإجراء الأحادي، ونظم الطلاب اعتصامات واحتجاجات في هانتر، وحشدوا اجتماعًا لمجلس الجامعة – الذي يتكون من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين – الذي أصدر قرارًا يدين الإلغاء ويطالب بعرض الفيلم. وقد أثبت ذلك أن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والحركة الأوسع المناهضة للإبادة الجماعية، لن يذعنوا للقمع أو الرقابة، وأن تهمة معاداة السامية قد فقدت قدرتها على إسكات الأفواه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة